ماذا تريدين مني؟

للكاتب " عارف الخاجه"
ماذا تريدين مني؟

أريد أن أسافر، ولكنك تتعلقين بأطراف ثوبي كطفلة مشاغبة وتشدينني للبقاء . عندما ذهبت إلى مكتب الطيران للحجز ، أحسستكِ تتكلمين بلساني وتقولين للموظفة:"اقطعي له تذكرة في اتجاه واحد تأخذه مباشرة إلى قلبي ". عندما جلستُ أرتب الحقيبة رأيتك تُخرجين ملابسي منها وتربطينها لتعملي منها حبلا طويلا يتدلى من شباك غرفتي إلى قلبك . أخرج من بيتي وأركب السيارة التي ستأخذني إلى المطار ،ولكنني ألاحظ في عيني السائق الهندي احمرار الغضب الذي يصرخ في ّ بصمت :
((أيها الخائن))،وبدلا من أن يتجه إلى المطار أراه يتجه بي نحوك . عند
" كاونتر " الوزن وتخليص إجراءات صعود الطائرة ، لم أشاهد على وجه الموظفة ابتسامة الاستقبال المعهودة ، بل لاحظت في عينيها غضبا أشد من غضب السائق الهندي . وقبل أن أضع حقيبتي على الميزان وأسلمها تذكرتي وجوازي ، خُيًل لي أنها تقول " الحمد لله على سلامة الوصول " وبدلا من أن تسألني عن وجهتي ، وعندما وضعت الحقيبة على الميزان وجدت الرقم قد تجاوز الحد المسموح به بمئات الكيلوغرامات ، فعرفت حجم العتاب والشوق اللذين عُبئت بهما الحقيبة، ولأول مرة يُطلبُ مني أن أدفع مبلغا عن وزن العتاب والشوق ، ولأول مرة أشعر بأن سفري ثقيل جدا. وبعد أن انتهيت من إجراءات السداد ، لم يستطع حامل الحقائب حمل حقيبتي ، فاستعان بزملائه ، ولكن زملائه لم يستطيعو ا حملها، فطلبوا مني إفراغ بعض محتوياتها . وفتحها وكم كانت دهشتهم كبيرة حين لم يجدوا سوى بعض القمصان والبناطيل والملابس الداخلية وملابس رياضية وحذاء رياضي وجوارب ومعدات حلاقة وثلاث زجاجات عطر وأوراق بيضاء وقلمين . أفرغوا الحقيبة من محتوياتها ، وحاولو حملها فلم يستطيعوا أيضا ، وسألوني مالذي فيها ؟ قلت : "فيها عتاب وشوق ". تعجبوا ولم يصدقوا ، وطلبوا مني إخراجهما ، فقلت إن ذلك مستحيل . مالعمل ؟ قلت " سأسافر من دونهما " ، تركتها وركبت الطائرة ، وشاهدت كل المضيفات غاضبات عليّ ، شاهدت القائد ينظر إلي بغضب وكأنهم جميعا يقولون لي " أيها الخائن "تأخرت الطائرة عن الإقلاع ساعة كاملة ، والقائد يحدثنا في المايكروفون أن هنالك عطلا يمنع الطائرة من الإقلاع وهم يبحثون عنه ، وما إن يهتدوا إليه ويصلحوه ، سنقلع . بعد ربع ساعه عاد القائد مجددا ليقول إن الطائرة بخير ، ولكنها ترفض التحرك من مكانها ، وطلب منا النزول لنركب طائرة أخرى . جميع الركاب ينظرون إليّ بغضب ، وأنا لم أفعل شيئا سوى أنني سافرت من دون رغبتك الطائرة الثانية أيضا رفضت الإقلاع والثالثة والرابعة كذلك عندها طلب منا المسؤول أمن المطار أن نركب الطائرة الخامسة ، ثم قام بإنزالنا فردا فردا ، وبعد نزول أي واحد منا يطلب من الكابتن أن يحرك الطائرة ، من مكانها ، ولكنها ترفض التحرك ، حتى جاء دوري . وما إن نزلت حتى تحركت الطائرة من دوني .. وهناك سألني المسؤول : " لماذا ترفض الطائرات الإقلاع وأنت على متنها ؟" . فقلت : إن حبيبتي غمرتني بالعتاب والشوق حتى أصبحتُ كاللعنة التي تحل على الأشياء فتشلها .
وماذا ستفعل الآن ؟ قلت له " سأعود لحبيبتي لأسألها : ماذا تريدين مني ؟ "